إنّ إقرار الحكومة الإسرائيليّة، خلال شهر أيلول 2010، لقانون "سنة جامعيّة مجانية لمسرَّحي الجيش وخادمي الخدمة المدنيّة" يمسّ بالحقّ الأساسيّ بالمساواة في فرص الالتحاق بالمؤسّسات التعليميّة الأكاديميّة، ويحمل في طيّاته معايير تصنيف عنصريّة وغير موضوعيّة، ويساهم في توسيع الفجوات الاجتماعيّة والاقتصاديّة بدلاً من سدّها، كما أنه يهدف بوضوح إلى تشجيع الشباب العرب على أداء الخدمة المدنيّة الإسرائيليّة التي تتنافى مع الهويّة القوميّة والوطنيّة للفلسطينيّين في الداخل، وترهن حقوق المواطنة بالواجبات.
لقد أعلنت الحكومة أنّ تطبيق القانون الجديد سيبدأ خلال السنة الجامعيّة القريبة في 16 كليّة تتوّزع في مستوطنات بالضفّة الغربيّة وفي مناطق الجليل النقب، حيث سيشمل القانون الكثير من الامتيازات التي ستمنحها الدولة للجنود المسرّحين وخادمي الخدمة المدنيّة ومنها سنة تحضيريّة مجانيّة أو تخفيض بنسبة 50 بالمائة من رسوم التعليم، من خلال صندوق خاصّ سيقام بوحدة توجيه الجنود المسرّحين في وزارة الأمن، ممّا يؤكّد مرّة أخرى على العلاقة الوطيدة بين المؤسّسة الأكاديميّة الإسرائيليّة والجهاز العسكريّ والأمنيّ.
لقد قرّرت الحكومة الإسرائيليّة تقديم امتيازات في مجال التربيّة والتعليم ضمن شروط أداء الخدمة الوطنيّة الإسرائيليّة، بدلا من إقرار قوانين تسعى إلى تقليص الفجوات الاجتماعيّة والاقتصاديّة وزيادة مناليّة التعليم الأكاديميّ لجميع المواطنين على اختلاف انتماءاتهم القوميّة أو العرقيّة، أو مدى انسجامهم مع تعريف الدولة كدولة`يهوديّة.
إنّنا نؤكّد من جديد أنّ مواثيق حقوق الإنسان العالميّة جعلت من الحقّ في التعليم حقّا أساسيّا، وتفرض على الدول اتّخاذ التدابير اللازمة لإتاحته للجميع بشكل متساو ودون تمييز مما يشمل ضمان تكافؤ فرص الالتحاق بالمؤسّسات التعليميّة المختلفة المستوى، لكنّ دولة إسرائيل، التي تعرّف نفسها كدولة ديمقراطيّة، ربطت هذا الحقّ الأساسيّ بواجب غير مفروض أصلاً على كلّ المواطنين، مما يناقض قيم الديمقراطيّة ومنظومتها السياسيّة المتعارف عليها والتي تمنح حقوق المواطنة دونما شروط.
إنّ معايير تصنيف الامتيازات الممنوحة ضمن القانون هي معايير عنصريّة وغير موضوعيّة تفضّل فئة معيّنة على فئة أخرى، دون أيّة اعتبارات موضوعيّة كالوضع الاجتماعيّ الاقتصاديّ، أو التفوّق الدراسيّ، ممّا يتنافى مع الاتفاقيّة الخاصّة بمكافحة التمييز في مجال التعليم، 1960، كما تتناقض الأفضليّات والامتيازات والحقوق الممنوحة لخادمي الخدمة الوطنيّة الإسرائيليّة في مجال التعليم العالي مع روح قانون حقوق الطالب الجامعيّ في إسرائيل (2007)، والذي حدّد بوضوح حقّ كلّ مواطن بالمساواة في الفرص لنيل التعليم العالي.
كما يسعى هذا القانون بأحد أهدافه الواضحة وغير المعلنة إلى إغراء وتشجيع الشبّان العرب على أداء الخدمة المدنيّة الإسرائيليّة التي تتنافى، كما أوضحنا مرارًا وتكرارًا، مع الهويّة الوطنيّة والقوميّة للفلسطينيّين في الداخل.
إنّ التعامل مع أقليّة قوميّة أصلانيّة تحمل جنسيّة/ مواطَنة تناقض قوميّتها يجب أن يكون ضمن احترام حقوقها الجمعيّة والفرديّة، واحترام خصوصيّتها وحقّها في الحفاظ على هويّتها، أمّا هذه الإغراءات الماديّة ضمن القانون الجديد فهي حلقة من مسلسل مخطّطات نزع الخصوصيّة الثقافيّة والانتماء القوميّ والوطنيّ، وينافي المادّة 13(1) من العهد الدوليّ الخاصّ بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة، والذي ينصّ على وجوب توجيه التربية والتعليم إلى الإنماء الكامل لشخصيّة الإنسان وهويّته السياسيّة والثقافيّة.