بعد ستة أيام مكثّفة من الرحلات والورش التثقيفيّة والفعاليات الترفيهيّة، اختتمت جمعيّة الثّقافة العربيّة يوم الثلاثاء الماضي 09/08/2011 مخيّم "هذه بلادي"، الذي أقيم في فندق "الأقواس السبعة" في مدينة القدس المحتلّة وجمع عشرات الطلاب والطالبات الثانويّين العرب من مختلف البلدات والمدن في تجربة خاصّة وفريدة ومتميّزة، تواصلوا وتفاعلوا خلالها وتعرّفوا من خلال الرحلات والمسارات اليوميّة مناطق القدس والمركز والجنوب؛ تاريخًا عريقًا وواقعًا مريرًا.
في الطريق إلى القدس: من اللجون إلى قاقون
تجمّع الطلاب والطالبات المشاركون، صباح الخميس 04/08/2011، في مقرّ جمعيّة الثّقافة العربيّة في الناصرة، استعدادًا لانطلاق المخيّم، حيث أقيمت فعاليات التعارف وملاءمة التوقّعات وشرح البرنامج والتوجيهات، ثمّ انطلق المشاركون في أولى رحلاتهم، وكانت قرية اللجون المهجّرة المحطّة الأولى.
في اللّجون، قدّم المرشد السياحيّ فريد حاج يحيى شرحًا عن تاريخ القرية وأهمية موقعها الإستراتيجي الجغرافي التاريخي، وعن سقوطها في 13/03/1948 ومعارك الدفاع عنها، كما تجوّل المشاركون بين أطلال القرية قرب واديها ومعصرتها والحجارة الشاهدة على نكبتها.
وتوقّف المشاركون، خلال رحلتهم إلى القدس، في قرية قاقون المهجّرة، وزاروا قلعتها الشهيرة بجناحيها المملوكيّ والفرنجيّ، وقدّم المرشد شرحًا عن الاختلاف في الأسلوب المعماريّ بين الحقبتين، وأسهب في الشرح عن تاريخ قاقون التي اشتهرت بالمساحات الشاسعة لأراضيها (45 ألف دونم) وأهمّيّتها الإستراتيجيّة أيضًا كقلعة مشرفة على كلّ المنطقة. بعد قاقون زار المشاركون مدينة كفر سابا وتعرّفوا فيها مدرسة ومقبرة قرية كفر سابا الفلسطينيّة المهجّرة.
اللدّ والرملة: إهمال وطمس الآثار، هدم بيوت... وجدران عنصرية
بدأ مسار اليوم الثاني لمخيّم "هذه بلادي" في مدينة اللدّ، حيث استقبل الفنان سهيل نفّار من فرقة "دام" المشاركين في مركز المدينة، واصطحبهم في جولة خاصّة تحدّث خلالها عن تاريخ اللدّ وقضايا أهلها من وجهة نظره كفنان وناشط شاب يعيش مأساة المدينة بكلّ جوارحه وعن أثرها في إبداعهم وأغانيهم. بدأت الجولة في خان الحلو، الذي يعود إلى الفترة المملوكيّة، حيث وقفَ المشاركون على الإهمال الخطير والهدّام للآثار العربيّة التي اختفى سوادها الأعظم عن وجه الأرض. كما تحدّث نفّار عن المشاريع الاستيطانيّة الضخمة في المدينة التي تهدف لتغيير واقعها الديمغرافي من خلال استجلاب آلاف المستوطنين من الضفّة الغربيّة.
ثمّ قام المشاركون بمرافقة الناشطة فداء شحادة من حركة "خطوة" الشبابيّة بزيارة تضامنيّة مع عائلة أبو عيد، ووقفوا على الركام الإسمنتيّ للبيوت التي هدمتها السلطات الإسرائيليّة الشتاء الماضي، حيث التقى المشاركون مع السيد عثمان أبو عيد الذي تحدّث عن التجربة المريرة للعائلة، إذ لم تكتف السلطات بهدم البيوت، وأصرّت على منع العائلة حتى من بناء مخيم وبيوتٍ مؤقّتة وهجّرتهم عنوة.
وتجوّل المشاركون في أنحاء حيّ شنير وشاهدوا جدار الفصل العنصريّ الذي يفصله عن كيبوتس "نير تسفي"، كما تجوّلوا في حيّ المحطّة وشاهدوا الإهمال الفظيع في الحيّ الذي تعرّض عشرات أطفاله للدهس بسبب عدم وجود جسر فوق سكك القطارات، واستمعوا لشرح عن الآفات الاجتماعيّة التي خلقها واقع الإفقار والإهمال ولا سيما العنف والمخدّرات والجريمة.
قام المشاركون بزيارة تضامنيّة إلى قرية دهمش غير المعترف بها، وزاروا بيت عائلة أبو إبراهيم المهدّد بالهدم، وتحدّثوا مع أهله عن قضيّة القرية التي أصدرت السلطات أمر هدمٍ لكلّ بيوتها وقامت بالفعل بهدم جزء منها، وعن إصرار السكّان ونضالهم من أجل البقاء في بيوتهم وإيجاد حلّ عادل لقضيّتهم.
بعد اللدّ، زار المشاركون مدينة الرملة القريبة، والتقوا مع الناشط محمد حداد من حركة "خطوة" الشبابيّة الذي تحدّث عن العنصريّة المستشرية في المدينة، وسياسة وتصريحات رئيس بلديتها، وقضايا سكانها، كما تحدّث عن التاريخ العربيّ العريق لهذه المدينة التي بنيت في الفترة الأمويّة، كما زار المشاركون مسجد النبي صالح وتعرّفوا آثارًا عربيّة عريقة في المدينة.
يافا وضياع المدينة
ثمّ توجّه المشاركون إلى مدينة يافا، المركز الثقافيّ والاقتصاديّ والديمغرافيّ لفلسطين قبل نكبتها، وقاموا بجولة تاريخيّة في أرصفة ميناء يافا وأزقّة بلدتها القديمة، حيث قدّم الباحث سامي أبو شحادة، عضو المجلس البلديّ تل أبيب- يافا وعضو إدارة جمعيّة الثّقافة العربيّة، شرحًا موسّعًا عن تاريخ المدينة منذ سبعة آلاف سنة، مركّزًا على التاريخ الحديث ونهضة المدينة وأهميتها على كلّ المستويات، كما شرح عن التطهير العرقيّ لسكانها المئة وعشرين ألفًا في العام 48، والسيطرة الإسرائيليّة على أملاك اللاجئين وتهويدها للمكان وظلمها للسكّان. بعد الجولة الغنيّة بالمعلومات، قام المشاركون بجولة في السفينة حول المدينة، كما قاموا بزيارة الخيمة الاحتجاجيّة من أجل المسكن في حديقة "الغزازوة" في يافا.
"ماذا نتعلّم وماذا لا نتعلّم؟"
بدأ اليوم الثالث للمخيّم بورشة تثقيفيّة حول مناهج التعليم الإسرائيليّة وأثرها على تشويه الهويّة الفلسطينيّة واللّغة العربيّة، حيث تعرّف الطلاب نتائج بحث "المناهج والهويّة" الذي قامت به جمعيّة الثّقافة العربيّة وناقشوها، وعبّروا عن آرائهم في موضوع مضامين التدريس وأهميّة أن يعرف كل شابّ وشابّة تاريخهم، وشدّد عدد من الطلاب على لومهم لقسم من المعلمين لعدم توفير هذه المعلومات حتى لو لم تكن ضمن نصوص الكتب.
العراقيب: إصرار على الصمود
بعد الورشة التثقيفيّة، قام المشاركون بزيارة تضامنيّة إلى قرية العراقيب التي هدمتها السلطات الإسرائيليّة ثمانيَ وعشرين مرّة منذ الصيف الماضي، والتقوا فيها مع مركّز القرية عزيز أبو مديغم، الذي شرح عن القضيّة بتفاصيلها وأكّد إصرار أهل القرية على البقاء في أرض قريتهم، ومواجهة مخطط التهجير، ورفض البدائل التي تأتي على حساب أراضي القرى والعائلات الأخرى. بعد العراقيب زار المشاركون مدينة بئر السبع وتعرّفوا تاريخها وأهمّ معالمها، ثمّ استمتعوا بالركوب على الجمال في الصحراء.
وفي الليل، قام المشاركون بالسفر إلى أحد الجبال القريبة من القدس واستمعوا إلى محاضرة قيّمة عن علم الفلك في الحضارة العربيّة وشاهدوا القمر والنجوم عبر التيليسكوب.
نحن والثورات العربيّة
بدأ اليوم الرابع للمخيم بورشة تثقيفيّة حول الثورات العربيّة، حيث ناقش الطلاب أثر هذه الثورات التي قادها الشباب العربيّ في الأقطار المختلفة من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعيّة، من أجل تغيير واقع الاستبداد إلى نظام ديمقراطيّ يعيد إلى الشعب سيادته على ذاته، وتحدّث المشاركون عن تفاعلهم مع الثورات وشاركوا بأسئلتهم حول أسبابها وتساؤلاتهم حول مستقبلها.
القدس: التهويد يفتّت المدينة المقدّسة
بعد الورشة، قام المرشد والناشط المقدسيّ محمود جدّة بمرافقة المشاركين بجولة في مدينة القدس القديمة، وقدّم شرحًا مفصلاً حول تاريخ المدينة المحتلة وقضايا سكانها ومخططات التهويد الخطيرة التي تتعرّض لها البلدة القديمة والأحياء الفلسطينيّة خارج الأسوار ولا سيما حيّ البستان في سلوان.
بدأت الجولة من باب الساهرة مرورًا بكلّ أحياء المدينة، حيث زار المشاركون الحرم القدسيّ الشريف الذي غصّ بالمرابطين فيه والمتعبدّين في شهر رمضان المبارك، وبعدها زاروا كنيسة القيامة، كما تجوّلوا في أسواق المدينة وأزقّتها الجميلة والحزينة.
الجدار يفصل الأهل ويسرق الأرض
بدأ اليوم الخامس لمخيّم "هذه بلادي" بجولة ميدانيّة إلى جانب جدار الفصل العنصريّ الذي يقسم حيّ أبو ديس، برفقة الناشطة المقدسيّة تيري بلاّطة، التي تحدّثت عن الآثار الخطيرة للجدار على المجتمع المقدسيّ وعن انفضاح زيف ادّعاءات إسرائيل بأنّ الجدار بني لأهداف أمنيّة، حيث أنّ الجدار هدفه السيطرة على الأرض وتقليل عدد السكّان الفلسطينيّين في القدس.
بعد الجدار توجّهت الحافلة صوب البحر الميت، وتوقّفت عند مقام النبي موسى، بين القدس وأريحا، وتعرّف المشاركون أهميّة هذا المعلم الدينيّ والتاريخيّ والوطنيّ، وارتباطه بأحداث 1920 كنقطة بداية للنضال الفلسطينيّ ضد الاستيطان الصهيونيّ، كما تعرّفوا عدّة خرب ومعالم هامّة في منطقة البحر الميت، وقاموا بمسار مشي عند قمة جبل "درجة"، ثمّ تمتّعوا بالسباحة في البحر الميت في عزّ أيام آب الحارّة.
مسابقة الرحّالة الصغير: المشاركات يفزن للسنة الثانية
في الليلة الأخيرة للمخيم، نظّمت إدارة المخيم مسابقة "الرحّالة الصغير" التي تنافس خلالها فريقي الشباب وفريق البنات على حفظهم وتمكنّهم من المعلومات التي اكتسبوها من مسارات المخيّم، وكانت المنافسة شديدة أظهرت نجاح المخيّم تربويّا في إيصال الكمّ الهائل من المعلومات إلى الطلاب، وقد فاز فريق البنات في المسابقة بفارق قليل عن فريق الشباب، كما حدث في المسابقة في مخيّم "هذه بلادي 2010". بعد المسابقة احتفل الطلاب في حفل خاص بانتهاء المخيّم في قاعة الفندق.
طريق العودة إلى حيفا وقراها
لم ينته المخيّم في صباح اليوم الأخير، بل كان هذا اليوم حافلاً أيضًا بالمسارات والأنشطة، حيث زار المشاركون خلال طريق عودتهم من المخيم مدينة حيفا وقراها، وتعرّفوا معالم الطريق التاريخيّة، وزاروا قرية عين غزال المهجّرة، ومشوا إلى جانب صَبّارها الشاهد على وجودها وعلى مقام الشيخ أبو شحادة فيها، كما زاروا قرية إجزم المهجّر أهلُها، وشاهدوا مدرستها الحديثة وبيوتها القليلة الباقية، وكانت لهم أيضًا محطّة عند قرية جبع المهجّرة. بعدها قام المشاركون بالتجوّل في جبل الكرمل ركوبًا على الخيل في فعالية ممتعة.
ثمّ توجّه المشاركون إلى مدينة حيفا حيث التقوا د. جوني منصور قرب ساحة الحناطير وقاموا بجولة ميدانيّة تاريخيّة في حيفا القديمة، واستمعوا إلى شرح وافٍ عن تاريخ المدينة وأهمّ محطّات تحوّلها إلى حاضرة مدنيّة في المشرق العربيّ، واستمعوا إلى قصّة تهجير سكّانها في نكبة 1948. وبعد هذه الجولة ودّع المشاركون بعضهم، وأصرّوا على اللقاء مجدّدًا في أنشطة جمعيّة الثّقافة العربيّة ومخيّماتها القادمة.
يذكر أنّ مخيّم "هذه بلادي" أقيم بدعمٍ من مؤسّسة الجليل البريطانيّة.
لمشاهدة ألبوم الصور اضغط/ي هنا